المعارضة السورية فشلت في تقديم خيار بديل مقنع
واشنطن –العهد - كتب حسن حسن: تحصل الاحتجاجات في سورية لأن معظم الناس يتوقون إلى الديمقراطية، لكن مع مرور الوقت، يرتفع خطر انتشار الفوضى التي يمكن أن تتحول إلى حرب أهلية، ويمكن منع هذه المخاطر أو احتواؤها عبر تأسيس هيئة موحدة للمعارضة على أن تمثل جميع فئات المجتمع.
بعد فترة قصيرة من إعدام صدام حسين في ديسمبر 2006، انتشرت روايتان عن مصيره، فقال البعض إنهم شاهدوا وجه الدكتاتور العراقي الراحل عشية إعدامه، وروى البعض الآخر حكاية يصدّقها الكثيرون مفادها أن صدام “الحقيقي” كان حياً قبل أن يُشنَق شبيهه نيابةً عنه، ولن يمر وقت طويل قبل أن يظهر مجدداً!
تبقى هذه الروايات مجرّد ضرب من الخيال طبعاً، ولكنها تعبّر عن السيطرة النفسية التي كان صدام يفرضها على معظم الشعب العراقي. لم يستطع الشعب أن يصدق ببساطة أن حكمه الإرهابي انتهى بلا رجعة، ولم يشأ البعض حصول ذلك أصلاً.
يحصل سيناريو مشابه في سورية اليوم، لقد فقد بشار الأسد الشرعية، تماماً مثل والده من قبله، بسبب قراراته السياسية بنظر الكثيرين، ومع ذلك، صمد نظامه بسبب الخوف مما يمكن أن يحصل في المرحلة المقبلة.
ها هو الأسد، مثل جميع الحكّام الدكتاتوريين، يتمسك بالسلطة بطرق مختلفة: بالقوة أو بالقمع أو بالمزج بين الطريقتين. لقد تقبل البعض واقع الاستبداد بعد عقود طويلة من الوحشية.
لكن يدعم آخرون نظام الأسد لأسباب مشروعة، إذ يواجه السوريون الذين ينتمون في معظمهم إلى الأقليات مخاوف عميقة لا بد من معالجتها. لكن حتى الآن، فشلت المعارضة السورية في طمأنة تلك الفئات المهمّشة.
قال لي أحد أصدقائي السوريين المسيحيين حديثاً: “أشعر بالألم في كل مرة أقول فيها إن نظام الأسد يجب ألا يسقط، وفي أعماقي، أدرك جيداً ضرورة سقوط النظام ولكنّ غريزة الصمود تجبرني على دعمه”.
صحيح أن المعارضة تتمتع بخبرة سياسية ودبلوماسية محدودة بعد عقود من القمع، لكن لا بد من الاعتراف بأنها تتحمل بعض المسؤولية على استمرار سفك الدماء.
تسود فكرة عامة مفادها أن نسبة كبيرة من المعارضين تسعى إلى تحقيق مكاسب سياسية شخصية.
يوم الاثنين، أعلن عدد من المعارضين قيام “مجلس وطني” في إسطنبول، ولكن تم الإعلان عن هذا المجلس بشكل أحادي الجانب ولم يشمل أي معارضين حقيقيين مثل هيثم المالح، قاضٍ سابق لديه سجل حافل في حركة المعارضة داخل سورية وقد أمضى سنوات عدة من حياته في سجون الأسد. ستؤدي هذه الأفعال الأحادية الجانب وغير المسؤولة من جانب معارضين عشوائيين– هم أشخاص لا يتمتعون بأي مصداقية بنظر أغلبية السوريين- إلى تقوية الحملة التي يروّج لها النظام.
سأل رجل مسيحي آخر من دمشق: “ما الخيار البديل الآن؟ ولماذا تدعم الولايات المتحدة والغرب المعارضة؟ صدقوني، لو أن المعارضة تحلّت بحس وطني أكبر من النظام، لما كنا سمعنا صوت الأميركيين كما نفعل الآن”.
لقد تعززت مخاوف السوريين لأن معظم مؤتمرات المعارضة نظمتها جماعة الإخوان المسلمين، وهي الطرف الوحيد- عدا الدولة- الذي ذبح سوريين آخرين لأسباب طائفية في التاريخ الحديث. (خلال الثمانينيات، اغتال الإخوان عشرات الضباط العلويين كجزء من حملتهم المسلحة ضد الرئيس السابق).
تجدر الإشارة إلى أن البعض يظنون أن مجزرة حماة في عام 1982، حيث قُتل حوالي 30 ألف شخص، نفذها حافظ الأسد وشقيقه رفعت الأسد حصراً. أما الآن، فيسود اعتقاد بأن عمليات القتل الراهنة هي من تنفيذ الطائفة العلوية التي ينتمي إليها النظام، ما يطرح خطراً محتملاً بانتشار أعمال العنف الطائفي.
قال أحد أصدقائي الدروز من سورية: “أريد من كل قلبي أن يسقط النظام، لكنني صراحةً بدأتُ أشعر بالخوف منذ بضعة أيام بعد أن سمعتُ قصصاً عن وقوع عنف طائفي. في حال انتشار ظاهرة العنف الطائفي بعد سقوط النظام، فسنكون أول المتضررين”.
يفسر هذا المنطق الصمت المطبق الذي يسود في منطقة السويداء، المحافظة التي تضم أغلبية من الدروز. في المقام الأول، لا يعرف الدروز ما سيكون مصيرهم بعد سقوط نظام الأسد. تضم هذه المحافظة أيضاً 11 قبيلة وزعيماً قبلياً يمكنهم منع أي احتجاجات عبر التحدث مع كبار الشيوخ.
حرص النظام على عدم استهداف المناطق التي تضم الأقليات طالما يستفيد من نفوذ قادتهم، فقد أقنع نظام البعث بعض الأقليات الدينية بأنها لن تكون بأمان إلا تحت حكمه.
وفق مجريات الوضع الراهن، يبدو أن الطائفة الوحيدة التي يمكن أن تواجه تداعيات العنف الطائفي بعد سقوط النظام هي الطائفة العلوية. يعني الربط بين عمليات القتل والتعذيب والميليشيات وقوى الأمن العلوية أن بعض العائلات ستسعى إلى الانتقام من العلويين.
غالباً ما تكرر عائلات المحتجين أنها “ستنتقم من عائلة الأسد وعصاباتها”. في حال سقوط الأسد، سينشأ وضع شائك للغاية: من سيُحاكَم كي تشعر العائلات بأن العدالة تحققت؟ تشير التقديرات إلى أن عدد “الشبيحة” التابعين للنظام– أي الميليشيات العلوية– يتراوح بين 60 و100 ألف عنصر. ستحدث اعتداءات انتقامية على الأرجح في مدن سورية عدة. في الوقت الراهن، تعبّر بعض العائلات عن غضبها عبر تحدي النظام الوحشي.
تحصل هذه الاحتجاجات لأن معظم الناس يتوقون إلى الديمقراطية، لكن مع مرور الوقت، يرتفع خطر انتشار الفوضى التي يمكن أن تتحول إلى حرب أهلية.
يمكن منع هذه المخاطر أو احتواؤها عبر تأسيس هيئة موحدة للمعارضة على أن تمثل جميع فئات المجتمع. يجب أن تكون الهيئة تمثيلية بمعنى الكلمة وأن تتبنى خطاباً سياسياً جامعاً ومعتدلاً وغير طائفي. باختصار، سيؤدي غياب أي خيار بديل ليحل مكان الأسد إلى إطالة مدة صمود نظامه.
مجلة ناشينول